هي أشياء لا تُشترَى
استقر رأي والده مع إدارة المدرسة على عقابه بما يتناسب مع فعلته الشنعاء الأخيرة، قيادته لمظاهرة تطالب بالنظافة ومنع العقاب الجماعي داخل مجمع المدارس أمر لا يمكن تفويته، رغم أن تابعيه قلة لا تذكر إلا أن المظاهرة اشتملت هذه المرة على فتاتين وصغار من المرحلة الإعدادية، لقد بدأ ينفث سمومه في الأجيال الجديدة. قررت المدرسة منعه من دخولها لمدة شهر، وهي المدة الباقية على العام الدراسي، راقبه مدير المدرسة وهو يسير بصحبة والده متمنيا أن لا يراه مجددا بعد امتحانات الثانوية العامة.
دخل والده المنزل غاضبا، اتهمه باللا مسئولية وعدم أخذ القدوة منه ومن أشقائه وشقيقاته، كونه أصغر الأبناء السبعة لم يجعله نسخة من الجميع.
ضحك بسخرية كعادته، حذره والده من التجاوز. زادت سخريته مشفقا على أشقائه، ذكر والده بأحوالهم، المتزوجة دائمة الشكوى لأن زوجها دائم الغضب لأنه ضعيف جدا في عمله ولا يستعيد رجولته إلا مع زوجته، شقيقته المخطوبة دائمة الصراع مع أمها لأن خطيبها غير القادر على إعداد عش الزوجية دائم الضغط عليها لنيل شيء من حقوقه الشرعية خاصة بعد كتب الكتاب، الصغيرة تعاني لإنهاء عامها الجامعي الأخير وسط ملاحقات وتحرشات لا تنتهي من مجتمع وضع عقله بين فخذيه.
انفعل عليه والده ونعته بقلة الأدب.
انتقل ساخرا إلى أشقائه، حذره شقيقه الأكبر من التجاوز، بدأ به مذكرا إياه بضياع كل أحلامه على عتبات الفقر والضعف والواسطة التي تحكم كل شيء، ثم ذكر شقيقيه الآخرين ومعاناتهما في الحب والدراسة والعمل.
جلس الأب ينعي حظه في ابنه الصغير، بينما هاجمته الأم بعنف لاعنة يوم جاء للحياة وذهبت إلى زوجها تهدء من روعه وتسترضيه.
دخل غرفته المشتركة مع شقيقيه اللذين عجزا عن النجاح في حياتهما ويدوران في فلك الصبر الذي لا ينتهي، بينما الأكبر الذي نجح في الخروج من الدوامة بعمل حكومي مؤقت وزواجة مضغوطة مهمومة يقضي وقته هنا أكثر من بيته المتواضع في نهاية الشارع ضغطا للنفقات.
تجاهل كل من حوله حتى أنهى الإمتحانات، ذهب لاختبارات النادي الكبير للعام الرابع على التوالي، لم يهتم بالنتيجة التي يعرفها مقدما، أجاد حتى أذهل الحاضرين في الدقائق الخمس ثم خرج وخلفه مساعد المدرب يبلغه بأنه غير مقبول، نظر له بلامبالاة وخرج يستعرض السيارات الفارهة التي أتى أصحابها لتزكية أبنائهم. في المساء ذهب مع أصدقائه لاستوديو طلب مطربين شباب، أذهل صوته الحاضرين، لكنهم أخبروه أنه غير مقبول، المرة العاشرة التي يخبرونه بذلك في أماكن مختلفة، خرج يستعرض الجالسين وما يرتدون ومن معهم، ابتسم ساخرا وتوجه إلى مكتب إنتاج سينمائي طلب وجوها شابة، بعد اختبارات حتى الصباح أخبروه أنه لا يصلح، خرج يتأمل في الوجوه الرابحة. هي الأبواب الوحيدة في هذا الزمن التي من الممكن أن تغير حياته، لكنها أبواب حديدية محاطة بأسوار شائكة تعلوها خوازيق حادة لا يتجاوزها إلا من يسمح له عُمَّار الطرف الآخر.
عاد إلى منزله مرهقا. نام حتى أيقظه والده بعنف بالغ متهما إياه بالبلادة والتكاسل واللا مسئولية، طلب منه النزول فورا للقاء صاحب محل البقالة على أول الشارع الذي اتفق معه على قضاء الصيف وربما العام القادم لأن الجميع متأكد أنه لن ينجح.
ذهب إلى عمله الجديد ساخرا، أتقن لف الجبن وتعبئة الأرز وملاغاة الزبائن. تعامل معه الجميع على أنه مجنون. أخيرا ظهرت النتيجة التي أذهلت الجميع. الأول على مدرسته.
رغم أن تاريخه الدراسي مشرف جدا ومتفوق طوال عمره، إلا أن سلوكياته الرافضة لكل شيء في العامين الأخيرين قلبت عليه كل من يعرفه، حتى أصدقاؤه ابتعدوا عنه بعد تكوينه لتنظيم سري يهدف للمطالبة بالحقوق في الشارع والحي والمدرسة.
جلسوا حوله يتأملونه، العائلة بكل أطرافها وأطيافها، ثم بدأ صراع تحديد المصير، اتفقوا جميعا على الطب ليكون طبيب العائلة ويرفع مستواهم الإجتماعي بعد أن اتفقوا على استحالة قبوله في كليات الصف الإجتماعي الأول كالشرطة والحربية، واستحالة دخوله السلك الديبلومسي عبر كلية العلوم السياسية أو القضاء عبر كلية الحقوق، كلها عوالم موازيه تكتفي بسكانها ولا يسمح للعامة بدخولها.
أذهلهم من جديد، قرر ألا يكمل دراسته. تحول الفرح العارم إلى تيار من الغضب الجارف. صرخ فيهم ليصمتوا. امتصوا الصدمة وصمتوا، تركهم على حيرتهم وخرج يطارد أضواءا ملونة.
إيهاب بديوي
استقر رأي والده مع إدارة المدرسة على عقابه بما يتناسب مع فعلته الشنعاء الأخيرة، قيادته لمظاهرة تطالب بالنظافة ومنع العقاب الجماعي داخل مجمع المدارس أمر لا يمكن تفويته، رغم أن تابعيه قلة لا تذكر إلا أن المظاهرة اشتملت هذه المرة على فتاتين وصغار من المرحلة الإعدادية، لقد بدأ ينفث سمومه في الأجيال الجديدة. قررت المدرسة منعه من دخولها لمدة شهر، وهي المدة الباقية على العام الدراسي، راقبه مدير المدرسة وهو يسير بصحبة والده متمنيا أن لا يراه مجددا بعد امتحانات الثانوية العامة.
دخل والده المنزل غاضبا، اتهمه باللا مسئولية وعدم أخذ القدوة منه ومن أشقائه وشقيقاته، كونه أصغر الأبناء السبعة لم يجعله نسخة من الجميع.
ضحك بسخرية كعادته، حذره والده من التجاوز. زادت سخريته مشفقا على أشقائه، ذكر والده بأحوالهم، المتزوجة دائمة الشكوى لأن زوجها دائم الغضب لأنه ضعيف جدا في عمله ولا يستعيد رجولته إلا مع زوجته، شقيقته المخطوبة دائمة الصراع مع أمها لأن خطيبها غير القادر على إعداد عش الزوجية دائم الضغط عليها لنيل شيء من حقوقه الشرعية خاصة بعد كتب الكتاب، الصغيرة تعاني لإنهاء عامها الجامعي الأخير وسط ملاحقات وتحرشات لا تنتهي من مجتمع وضع عقله بين فخذيه.
انفعل عليه والده ونعته بقلة الأدب.
انتقل ساخرا إلى أشقائه، حذره شقيقه الأكبر من التجاوز، بدأ به مذكرا إياه بضياع كل أحلامه على عتبات الفقر والضعف والواسطة التي تحكم كل شيء، ثم ذكر شقيقيه الآخرين ومعاناتهما في الحب والدراسة والعمل.
جلس الأب ينعي حظه في ابنه الصغير، بينما هاجمته الأم بعنف لاعنة يوم جاء للحياة وذهبت إلى زوجها تهدء من روعه وتسترضيه.
دخل غرفته المشتركة مع شقيقيه اللذين عجزا عن النجاح في حياتهما ويدوران في فلك الصبر الذي لا ينتهي، بينما الأكبر الذي نجح في الخروج من الدوامة بعمل حكومي مؤقت وزواجة مضغوطة مهمومة يقضي وقته هنا أكثر من بيته المتواضع في نهاية الشارع ضغطا للنفقات.
تجاهل كل من حوله حتى أنهى الإمتحانات، ذهب لاختبارات النادي الكبير للعام الرابع على التوالي، لم يهتم بالنتيجة التي يعرفها مقدما، أجاد حتى أذهل الحاضرين في الدقائق الخمس ثم خرج وخلفه مساعد المدرب يبلغه بأنه غير مقبول، نظر له بلامبالاة وخرج يستعرض السيارات الفارهة التي أتى أصحابها لتزكية أبنائهم. في المساء ذهب مع أصدقائه لاستوديو طلب مطربين شباب، أذهل صوته الحاضرين، لكنهم أخبروه أنه غير مقبول، المرة العاشرة التي يخبرونه بذلك في أماكن مختلفة، خرج يستعرض الجالسين وما يرتدون ومن معهم، ابتسم ساخرا وتوجه إلى مكتب إنتاج سينمائي طلب وجوها شابة، بعد اختبارات حتى الصباح أخبروه أنه لا يصلح، خرج يتأمل في الوجوه الرابحة. هي الأبواب الوحيدة في هذا الزمن التي من الممكن أن تغير حياته، لكنها أبواب حديدية محاطة بأسوار شائكة تعلوها خوازيق حادة لا يتجاوزها إلا من يسمح له عُمَّار الطرف الآخر.
عاد إلى منزله مرهقا. نام حتى أيقظه والده بعنف بالغ متهما إياه بالبلادة والتكاسل واللا مسئولية، طلب منه النزول فورا للقاء صاحب محل البقالة على أول الشارع الذي اتفق معه على قضاء الصيف وربما العام القادم لأن الجميع متأكد أنه لن ينجح.
ذهب إلى عمله الجديد ساخرا، أتقن لف الجبن وتعبئة الأرز وملاغاة الزبائن. تعامل معه الجميع على أنه مجنون. أخيرا ظهرت النتيجة التي أذهلت الجميع. الأول على مدرسته.
رغم أن تاريخه الدراسي مشرف جدا ومتفوق طوال عمره، إلا أن سلوكياته الرافضة لكل شيء في العامين الأخيرين قلبت عليه كل من يعرفه، حتى أصدقاؤه ابتعدوا عنه بعد تكوينه لتنظيم سري يهدف للمطالبة بالحقوق في الشارع والحي والمدرسة.
جلسوا حوله يتأملونه، العائلة بكل أطرافها وأطيافها، ثم بدأ صراع تحديد المصير، اتفقوا جميعا على الطب ليكون طبيب العائلة ويرفع مستواهم الإجتماعي بعد أن اتفقوا على استحالة قبوله في كليات الصف الإجتماعي الأول كالشرطة والحربية، واستحالة دخوله السلك الديبلومسي عبر كلية العلوم السياسية أو القضاء عبر كلية الحقوق، كلها عوالم موازيه تكتفي بسكانها ولا يسمح للعامة بدخولها.
أذهلهم من جديد، قرر ألا يكمل دراسته. تحول الفرح العارم إلى تيار من الغضب الجارف. صرخ فيهم ليصمتوا. امتصوا الصدمة وصمتوا، تركهم على حيرتهم وخرج يطارد أضواءا ملونة.
إيهاب بديوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق