الثلاثاء، 17 مايو 2016

طبقات بينية للكاتب إيهاب بديوي..

طبقات بينية
يقولون أن الموجات الصوتية تتنقل عبر مناطق ترددية غير مرئية في تركيب المادة المكونة للهواء. حدث نفسه وهو يلعن الصوت العالي لطفل في العمارة المقابلة لم ينقطع عن البكاء منذ بدأ في محاولاته المستميتة للنوم. أطبق بيديه على موجة صوتية جديدة اقتحمت مجاله الجوي بعد صمت قليل. لم يعد يحتمل. خرج إلى الشرفة المطلة على الشقة في الطابق العاشر والأخير للعمارة الخضراء. حاول التركيز ليرى ذلك الطفل المهمل الذي تعود على رؤيته في الليل يلهو منذ فترة طويلة ولم يكن يعير الأمر اهتماما كبيرا خاصة وأنه رأى والدته عدة مرات تحمله وتغلق الشرفة دون أن تلتقط تلصصه من خلف الشيش الخفيف الذي سرعان ما يغلقه ويلعن نفسه ويتذكر أن لديه شقيقات في المنزل. لم يفتح موضوع هؤلاء الجيران مع أحد كي لا يتهم بأنه يستغل إطلال غرفته عليهم بأنه يلاحقهم خاصة مع وجود تلك الشابة الجميلة وطفلها الوحيد دون ظهور لرجل في حياتها. انقطعت تأملاته على ارتفاع صوت الصغير بطريقة مستفزة حتى كاد يظن أنه يجلس معه في غرفته. فتح باب الشرفة وخرج يريد أن يعنف تلك المرأة. بمجرد خروجه توقف الطفل عن البكاء ولمح والدته تحمله. هدأ أخيرا. لابد أن أمه ستغلق الشرفة الآن ولن تظهر إلا في الليلة التالية. أحكم غلق شرفته وعاد إلى فراشه يستجدي النوم. أغلق جميع الأنوار وبدأ في الاستسلام. فجأة أحس بحركة على السرير. لعن أوهامه وهو يتقلب على الفراش. أحس بحركة أخرى. مد يده فأحضر هاتفه من تحت الوسادة وهو يتوعد من يلعب معه بالويل والثبور. أوقد أضواء هاتفه وسلطها على مكان الحركة. فتح فاه وجحظت عيناه وشلت يده ووقف شعر رأسه وتسارعت نبضات قلبه حتى كاد يقفز من صدره. انفجر الصغير في البكاء من جديد تحت قدميه.
إيهاب بديوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق