السير فوق الماء
اعتادت أن تتشاءم مع كل صباح، تفتح عينيها على ضغوط لا تنتهي ومعاناة يومية، كل شيء في ملامح والدها القاسية ينطق بالألم، والدتها لا تألو جهدا لخدمة الجميع، لكنها دائمة الشكوى، رغم حرصها على تدعيم أواصر المحبة بين أبنائها، إلا أنها شديدة القسوة، تنفرد بهم بعد خروج زوجها وتتحول إلى كائن خرافي متوحش حين يعترض أحدهم، ثلاثة بنات وولد واحد عبئ ثقيل، لكنها ترى فيمن حولها أُسر أكبر بكثير ولا تشعر بهذه القسوة بينهم. ارتدت ملابسها سريعا ليوصلها والدها بسيارته المتواضعة إلى عملها المؤقت في إحدى الصيدليات، رغم تخرجها من الجامعة، إلا أن جمالها المتوسط والإرهاق الدائم على ملامحها وملابسها البسيطة لم تعطها فرصة مع أية شركة كبيرة أو وظيفة ذات عائد مادي يساعدها على اللحاق بمركب الإنقاذ، انتهت إلى الاستمرار في الصيدلية التي تعمل بها منذ المرحلة الثانوية، لاشيء اختلف.
ما أن فتحت الصيدلية واستقرت على مقعدها حتى وجدته أمامها، ابتسمت، ارتعدت، غضبت، انفعلت، صرخت في وجهه تحذره من الحديث في أمور غير جادة. ابتسم لها في رقة وهدوء ثم ألقى ورقة صغيرة ورحل دون أن ينطق بكلمة.
مدت يدها خلف طيفه تستبقيه، اعتذرت له من كل قلبها على فظاظتها معه، كان قد رحل، وكانت قد عادت للتشاؤم من جديد. تذكرت أخيرا الورقة، بحثَت عنها في كل مكان، غضبت، ثارت، بكت، انهارت على المقعد الجلدي بكل عذابات حياتها، نزلت دمعة حارقة على يدها تنبهها، الورقة في يدها، تحولت إلى كائن وردي مغرد لم يرى في حياته يوما عذابا. فتحت الورقة بلهفة الغائب حين يعود إلى وطنه. تأملت في الحروف التي انسابت عبر عينيها إلى أماكن مجهولة من كيانها لم تشعر بوجودها من قبل، أحست بشوق الأرض العطشى لنقاط المطر العزيز حين يأتي من فوق المستحيل، عاشت تجربة العذراء حين تخرج من شرنقتها للمرة الأولى، أخذت نفسا عميقا محملا بنسيم رقيق ناعم حرك قلبها حتى بكت. ضحكت من جديد، ثم بكت وهي تدفع الخيالات الشاحبة من أمام تأملاتها اللا نهائية في الممكن والمستحيل... أحبكِ.
إيهاب بديوي
اعتادت أن تتشاءم مع كل صباح، تفتح عينيها على ضغوط لا تنتهي ومعاناة يومية، كل شيء في ملامح والدها القاسية ينطق بالألم، والدتها لا تألو جهدا لخدمة الجميع، لكنها دائمة الشكوى، رغم حرصها على تدعيم أواصر المحبة بين أبنائها، إلا أنها شديدة القسوة، تنفرد بهم بعد خروج زوجها وتتحول إلى كائن خرافي متوحش حين يعترض أحدهم، ثلاثة بنات وولد واحد عبئ ثقيل، لكنها ترى فيمن حولها أُسر أكبر بكثير ولا تشعر بهذه القسوة بينهم. ارتدت ملابسها سريعا ليوصلها والدها بسيارته المتواضعة إلى عملها المؤقت في إحدى الصيدليات، رغم تخرجها من الجامعة، إلا أن جمالها المتوسط والإرهاق الدائم على ملامحها وملابسها البسيطة لم تعطها فرصة مع أية شركة كبيرة أو وظيفة ذات عائد مادي يساعدها على اللحاق بمركب الإنقاذ، انتهت إلى الاستمرار في الصيدلية التي تعمل بها منذ المرحلة الثانوية، لاشيء اختلف.
ما أن فتحت الصيدلية واستقرت على مقعدها حتى وجدته أمامها، ابتسمت، ارتعدت، غضبت، انفعلت، صرخت في وجهه تحذره من الحديث في أمور غير جادة. ابتسم لها في رقة وهدوء ثم ألقى ورقة صغيرة ورحل دون أن ينطق بكلمة.
مدت يدها خلف طيفه تستبقيه، اعتذرت له من كل قلبها على فظاظتها معه، كان قد رحل، وكانت قد عادت للتشاؤم من جديد. تذكرت أخيرا الورقة، بحثَت عنها في كل مكان، غضبت، ثارت، بكت، انهارت على المقعد الجلدي بكل عذابات حياتها، نزلت دمعة حارقة على يدها تنبهها، الورقة في يدها، تحولت إلى كائن وردي مغرد لم يرى في حياته يوما عذابا. فتحت الورقة بلهفة الغائب حين يعود إلى وطنه. تأملت في الحروف التي انسابت عبر عينيها إلى أماكن مجهولة من كيانها لم تشعر بوجودها من قبل، أحست بشوق الأرض العطشى لنقاط المطر العزيز حين يأتي من فوق المستحيل، عاشت تجربة العذراء حين تخرج من شرنقتها للمرة الأولى، أخذت نفسا عميقا محملا بنسيم رقيق ناعم حرك قلبها حتى بكت. ضحكت من جديد، ثم بكت وهي تدفع الخيالات الشاحبة من أمام تأملاتها اللا نهائية في الممكن والمستحيل... أحبكِ.
إيهاب بديوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق