الأربعاء، 11 مايو 2016

الهدية للكاتبة هدى شعباني

الهدية
في صبيحة يوم الزفاف , نادت الأم ابنتها إلى مخدعها وقد اعتلت شفتيها إبتسامة باهتة. أجلستها بقربها على السرير, وأخذت تداعب خصلات شعرها المتناثرة , وتتلمس جسدها بحنانٍ لاحدود له وكأنها أحبت في تلك اللحظة أن تسترجع أيام طفولتها , ولسان حالها يقول:
بإسم الأمومة ياحبيبتي, ستظلين طفلتي المدللة الشقية التي تثير في مهجتي فيضاً من حنان أمومة أغدقتها عليك في كل لحظةٍ من سنوات عمرك العشرين, وستظلين أبداً محتاجة إلى حضن من رعاك ومنحك الحب والنصيحة.
انتشلها صوت " روعة " من شرودها سائلةً:
- أحسبك تريدينني في أمرٍ مهم يا أماه , ومن أجله طلبتِ مني الدخول إلى غرفتك في هذه الساعة المبكرة ؟. 
- أجل أجل . إنه أمر مهم وعليّ ان أنجزه في هذا اليوم بالذات, في يوم عرسك .
- هنا في غرفة النوم ؟
- أجل . أجابتها وهي تضحك. 
قامت الأم في الحال متجهةً نحو خزانة الملابس. أخرجت منها صندوق صيغتها. فتحته وتناولت منه مثلثاً جلدياً صغيراً أسود اللون باشرت في حل طياته لتفك قيوداً أغلظت على شيء بداخله. إنها ورقة صغيرة جداً طويت بإتقان.
كانت روعة تتابع أمها بفضولٍ بالغ . ولما انتهى ذاك الأمر المهم "كما قالت الأم " إلى ورقة سألتها مستفسرةً :
- أماه , ماذا تفعلين؟ وما هو ذاك المثلث الجلدي الذي تحفظين به في صندوق الصيغة؟
- إنه أغلى هدية قدمتها لي أمي رحمها الله في يوم عرسي . خذي الورقة التي بداخله واقرأيها.
- حسناً سأقرأها وأترحم على روح جدتي.
- بل لتتفهمي أيضاً ما سُطر فيها لعلك تعملين به في أيامك المقبلة.
أمسكت "روعة " الورقة وشرعت تقرأ باهتمامٍ وعمقٍ عبارةً كتبت باتقان :
"خافي الله ياابنتي في نفسك, وأسرتك,ومجتمعك, ووطنك"
- ماذا تعنيه جدتي فيما تقوله ؟ 
- ماعنته جدتك ,هو نبراسٌ لحياة كل صبيةٍ مقبلةٍ على الزواج . إن أقتدت به عمت السعادة بيتها والمجتمع, والوطن.
- فسري لي يا أماه بحق السماء , كيف أخاف الله في نفسي؟
- شهوات الجسد والروح الجامحة يابنيتي تجهد البدن وتشتت العقل وتزهق الروح . كبح جماحها يحفظ الجسد, ويرجح العقل , ويسمو بالروح بعيداً عن مخاطر آثارها الجسدية والنفسية. إنها توصي بالاعتدال في إشباعها مهما كانت ظروفها والمغريات لها متاحةً ومتوفرة. 
- وكيف أخاف الله في أسرتي؟ 
- الخوف من الله في الوالدين تتجلى في برهما , وطاعتهما بما لايغضب الله.
وفي الأسرة تعني التراحم بين الأخوة , ونبذ الشقاق, ودعم أواصر المحبة, والتواصل بما في ذلك من خيرٍ يرتدٍ على العائلة بأكملها. 
أما الخوف من الله في الزوج, تعني صون عرضه وماله وبيته.والعمل على إسعاده وإرضائه,
وفي الأولاد تعني, تربيتهم على الالتزام بقيم الدين والمثل وفضائل الأخلاق .
- وكيف أخافه تعالى في المجتمع؟. 
- أن تخلصي في أداء واجبك الوظيفي أو المهني أو الاجتماعي, أي في أي موقع تحتلينه في مجتمعك . وأن تهبيه أبناءاً واعين يسعون بإخلاص مع أبناء جيلهم إلى بنائه, ونهضته.
- وكيف أخافه في الوطن؟ 
- أن ترضعي أبناءك لبن حبه , وتزرعي في نفوسهم حب الحرية والتمسك بكل ذرة من ترابه, والذود عنه بالفكر, والقول, وحتى بالروح والجسد.
كانت الدموع قدبللت وجنتي روعة وهي تستمع لوصية جدتها . 
أعادت الأم الورقة إلى مثلثها الجلدي من جديد . وضعته في كف إبنتها وفالت :
- خذيه . إنه هديتي إليك في ليلة زفافك . لقد أوصتني بذلك قبل وفاتها, وألحت عليَّ بأن أبلغك بأمنيتها في جعله نبراساً تضيئين به حياتك مدى العمر.
حبيبتي روعة : عديني بالمحافظة عليه كما فعلتُ طيلة عشرين عاماً ونيف, لتكون هديتك إلى ابنتك في يوم عرسها ,سأكون حينها في قمة السعادة وأنا راقدةٌ هناك في غرفتي الأبدية, كسعادتي بك في ليلة تمنيتها و لن أنساها ما حييت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق